«فايننشيال تايمز»: تصاعد أزمة الثقة في الأطباء بسبب المعلومات المضللة

«فايننشيال تايمز»: تصاعد أزمة الثقة في الأطباء بسبب المعلومات المضللة
الثقة بين الأطباء والمرضى

باتت المعلومات المضللة تهدد الثقة في الأطباء بشكل متزايد، وتسبب تزايداً في القلق في أوساط الرأي العام، يظهر هذا التهديد بوضوح من خلال تجربة نيكي نورمينغتون، مديرة الصحة في شيفيلد، التي واجهت تحديات كبيرة في أواخر عام 2020 خلال حملة التطعيم ضد كوفيد-19.

ووفقًا لتقرير نشرته "فايننشيال تايمز"، اليوم الاثنين، في تلك الفترة، تطلب الأمر من فرق التطعيم العمل في ظروف غير مواتية، بسبب انتشار المعلومات الخاطئة حول اللقاحات، ورغم أن هذه المعلومات المضللة لم تؤدِ إلى تهديدات مباشرة في مدينة شيفيلد، فإن المناخ كان مليئاً بالتوتر، ما جعل التعامل مع هذه المعلومات المضللة أكثر تعقيداً.

وفي إحدى العيادات المفتوحة التي أقيمت في مسرح كروسيبل، قامت سيدة بتوزيع منشورات معادية لللقاحات، وهو ما دفع الشرطة للتدخل وإيقافها عن فعل ذلك.

نظريات المؤامرة على النظام الصحي

انتشرت نظريات المؤامرة بشأن اللقاحات بشكل واسع في مختلف البلدان، حيث اعتقد البعض أن الحكومات تسعى لتقليص أعداد السكان باستخدام اللقاحات، في حين روج آخرون لفكرة أن اللقاحات هي السبب في تزايد حالات السكتات القلبية. 

تنتشر هذه المواقف بشكل أكبر في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يتبنى بعض الشخصيات العامة، مثل روبرت ف. كينيدي جونيور، المعروف بمواقفه المناهضة لللقاحات، هذه الأفكار في العلن، هذه الآراء تسبب تراجعاً في قبول اللقاحات والعلاج الطبي في العديد من المجتمعات، ما يؤثر بشكل مباشر في الصحة العامة.

وتترتب على هذه المعلومات المضللة عواقب صحية وخيمة، فقد أدت نظريات المؤامرة إلى زيادة حالات الإصابة بالحصبة في بعض المناطق التي كانت قد نجحت في القضاء عليها.

وأصبحت بعض الناس يمتنعون عن إجراء الفحوصات الطبية الوقائية أو المشاركة في التجارب السريرية، ما يعرقل الجهود المبذولة لحماية الصحة العامة. 

وأعرب الخبراء عن قلقهم العميق من أن انهيار الثقة في المؤسسات الصحية قد يؤدي إلى تفاقم التفاوتات الصحية بين الطبقات الاجتماعية، حيث يعاني الأفراد من الطبقات الأقل دخلاً صعوبة كبرى في الوصول إلى الرعاية الصحية اللازمة.

أسباب فقدان الثقة

لا تقتصر أزمة الثقة في الأطباء على انتشار المعلومات المضللة في ظل جائحة كوفيد-19، بل تعود جذورها إلى تاريخ طويل من التمييز الطبي ضد بعض الفئات الاجتماعية، أحد الأمثلة على ذلك هو التصورات الخاطئة التي كانت سائدة في الماضي بأن الأشخاص من أصول إفريقية يمتلكون عتبة ألم أعلى من غيرهم، ما أدى إلى التقليل من علاجهم في العديد من الحالات.

ويوضح حبيب نقفي، رئيس مرصد الصحة والعرق في هيئة الخدمات الصحية الوطنية، أن هذه الشكوك المستمرة تجاه المؤسسات الطبية في المجتمعات المهمشة ترجع إلى التمييز العنصري الذي طالما تعرضت له هذه الفئات.

ويؤكد الخبراء أن الأطباء والمهنيين في مجال الرعاية الصحية لديهم دور أساسي في مكافحة المعلومات المضللة، على سبيل المثال، يشير جويل بيرفيل، وهو خريج كلية الطب، إلى أن العديد من المفاهيم الطبية الخاطئة كانت تنتقل بشكل غير مقصود من قبل الأطباء أنفسهم.

فقد كانت الحسابات الطبية المتعلقة بوظائف الكلى والرئتين تعتمد في الماضي على فرضيات خاطئة تتعلق بالعرق، ما أدى إلى تجاهل بعض الحالات الصحية المهمة، هذا الأمر يسهم في ضعف الثقة بين الأطباء والمرضى ويؤثر في فعالية الرعاية الصحية.

الضغط الاجتماعي والتحديات المعاصرة

الأنظمة الصحية في جميع أنحاء العالم تواجه تحديات كبيرة في الوقت الحالي، ليس فقط بسبب المعلومات المضللة، بل أيضاً بسبب الضغط المتزايد على الموارد البشرية والعوامل الاجتماعية والاقتصادية، هذه التحديات تتفاقم بفعل التزايد في عدد المرضى ونقص عدد الأطباء، وهو ما يعزز من الشعور بعدم الثقة بين المرضى ومقدمي الرعاية الصحية.

وأسهم ارتفاع دور المساعدين الطبيين في تقليل العلاقة الشخصية التقليدية بين الطبيب والمريض، ما جعل من الصعب بناء ثقة مستدامة.

ولا يمكن لأي نظام صحي أن ينجح دون استعادة الثقة بين المرضى والأطباء، يدعو الخبراء إلى ضرورة استثمار الجهود في بناء هذه الثقة من خلال استماع الأطباء إلى المرضى ومجتمعاتهم وفهم احتياجاتهم الصحية.

وتقول آن جريجوري، ممرضة في أحد المراكز الطبية، إن جائحة كوفيد-19 قد أثبتت أن الاستماع هو السبيل الأساسي لبناء علاقة صحية قائمة على الثقة بين الأطباء والمرضى، وإن التفاعل الجيد والشفافية هما المفتاح للحفاظ على صحة المجتمعات وتعزيز نظام الرعاية الصحية.

وفي النهاية، تتطلب استعادة الثقة في الأطباء والعمل على بناء الثقة المستدامة في النظام الصحي جهوداً من جميع الأطراف، ويجب على الأطباء والمهنيين في الرعاية الصحية تكثيف العمل على تقديم معلومات طبية دقيقة، مع تعزيز الشفافية والصدق في التعامل مع المرضى.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية